اختناق دافئ ..

يتأمل جدران الغرفة الكبيرة، لم يكن لونها قبل شهر ونصف هكذا .. كذلك أصابعه الثخينة لك تكن بذلك السواد المحترق..
دخان الخشب المتكسر في برميل القصدير المشتعل في زاوي الغرفة .. يجعل الهواء أثقل وأصعب على الاستنشاق ..

يدخل “محمد” من الباب الصغير .. صوت الباب يعلو على طقطة القصدير المهترئ:
محمد : كيف تستطيع التنفس هنا؟ .. ستختنق..
هو : الجو في الخارج بارد.
محمد : مهما يكن .. لا يمكنك أن تبقى هنا..
هو : طيب سألحقك . اتركني الآن ..

يخرج محمد صافقاً الباب الأخضر بالحائط .. يتناول ابريق الشاي من على المدفأة .. يصب كأساً في الكوب القديم .. يتناهى لسمعه بضع طلقات اعتادها طوال النهار والليل .. لابد أن يخرج .. سيختنق هنا إن لم يفعل ذلك .. كآلاف الذبابات يطير رذاذ اسود عالق في الهواء .. وجه المدفأة يكاد ينفجر احمراراً .. لن يترك محمد وحده في الخارج هناك .. يحاول النهوض لكن لا يستطيع .. آخر ذرات الأوكسجين تموت في خلايا رأسه .. يحاول أن يصرخ دون فائدة .. سيأتي محمد بعد دقائق .. سيأخذ غفوة صغيرة في غضون ذلك .. لن يستطيع تحمل البرد هناك .. أو ربما تصمت قطعة الحطب التي راما قبل ساعة .. تتأمله يغلق عينيه تعباً .. ربما تهرب من الفرن الحديدي لأحلامه الدافئة ..

لطالما أراد النوم دافئاً .. كذلك الموت إن كان لا بد أن يموت .. أكثر ما ضايقه في فيلمه المفضل ذو السفينة الغارقة . أن “جاك” مات تجمداً ..

كان لا بد أن يموت .. يبرد جسده الصغير .. كذلك البرميل البني المتعب ..